"علم النفس في الإعلام بين المعرفة وتشويه المضمون" في افتتاح الموسم الثقافي للمجمع العلمي المصري

الخميس 30 أكتوبر, 2025

افتتح المجمع العلمي المصري موسمه الثقافي للعام الجديد  بمحاضرة قدّمها الأستاذ الدكتور طارق محمد عبد الوهاب حمزة، أستاذ علم النفس والعميد السابق لكلية الآداب بجامعة الفيوم، تحت عنوان "علم النفس في الإعلام: بين المعرفة وتشويه المضمون"، بقاعة المحاضرات بالمجمع، بحضور عدد كبير من أعضاء المجمع والعلماء والوزراء السابقين.

استعرض د. طارق حمزة في عرضه التحليلي التفاعلات المعقدة بين الإعلام والعلوم النفسية، موضحًا أن الإعلام يعيد تشكيل الإدراك الجمعي عبر الصورة واللغة والرمز، وأنه قد يكون أداة للتثقيف النفسي أو وسيلة للتأثير في العواطف والانفعالات.
قدّم المتحدث مدخلًا تاريخيًا لعلم النفس، مبيّنًا نشأته كعلم تجريبي في الجامعات الغربية، ومقارنًا ذلك بضعف البنية البحثية في مصر والعالم العربي؛ حيث لا يزال الوعي المجتمعي بأهمية هذا العلم محدودًا.

وأشار إلى الجهود الرائدة لعدد من علماء النفس المصريين الذين أسهموا في تأسيس المدرسة العربية في علم النفس، من أمثال يوسف مراد، ومصطفى سويف، ومصطفى زيور، كما أشار إلى رواد حركة القياس النفسي مثل إسماعيل القباني، وعطية هنا، ومحمد عبد السلام أحمد، ولويس مليكة، الذين أسهموا في تطوير أدوات القياس النفسي ونقل التجربة العلمية إلى البيئة العربية، مما جعل مصر مركزًا مؤثرًا في مسيرة علم النفس في العالم العربي.
كما تناول العرض تشويه صورة المريض والطبيب النفسي في الدراما والإعلام العربي، مشيرًا إلى أن العديد من الأعمال قدّمت الطبيب أو المعالج النفسي في صورة هزلية أو درامية مثيرة بعيدة عن المعايير العلمية، بينما عُرضت قضايا مثل الإدمان بوصفها عيبًا أخلاقيًا لا اضطرابًا يستوجب علاجًا متخصصًا.
وفي المقابل، أبرزت المحاضرة نماذج إيجابية حديثة بدأت تصحح هذه الصورة، سواء في بعض الأعمال الدرامية التي تناولت الجوانب النفسية بصورة علمية متخصصة إلى حدّ كبير، أو في البرامج الحوارية التي استعانت بأخصائيين مؤهلين لتقديم طرحٍ علمي متزن يثري وعي الجمهور.

لفت د. طارق حمزة إلى أن الجمعيات الدولية مثل الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA)، والجمعية البريطانية  لعلم النفس (BPS) قد وضعتا توصيات دقيقة بشأن الظهور الإعلامي لعلماء النفس، مؤكدًا ضرورة أن يكون التناول الإعلامي توعويًا لا علاجيًا، وأن تُراجع المواد الإعلامية من منظور نفسي قبل النشر لضمان الدقة والمصداقية. كما دعا إلى صياغة مدوّنة سلوك عربية تنظّم الخطاب النفسي في الإعلام، وترسّخ قيم الصدق والاحترام والدقة، حفاظًا على صورة المريض والطبيب معًا.

شهدت الجلسة نقاشًا علميًا ثريًا شارك فيه عدد من أعضاء المجمع والحضور، الذين أثنوا على الطرح العلمي العميق للمحاضرة، وتناولت المداخلات موضوعات متعددة، من أبرزها طبيعة الممارسة المهنية في مصر، والفروق بين الطبيب النفسي والأخصائي النفسي والمعالج النفسي، إلى جانب مناقشة أنماط الشخصيات المختلفة وشيوع بعض الأنماط الجديدة في المجتمع المصري مؤخرًا، كما طُرحت رؤى حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي وما أحدثته من تحولات في المشهد الإعلامي، وظهور صور ذهنية أكثر انتشارًا وتأثيرًا من الوسائل التقليدية، إضافةً إلى تساؤلات حول سبل تصحيح المفاهيم وتعديل الأفكار السائدة في الوعي الجمعي المصري.

اختُتم اللقاء برسالة فكرية مفادها أن "الإعلام حين يصبح صادقًا في نقل النفس الإنسانية يتحول من وسيلة للترفيه إلى أداة للشفاء"؛ وهي العبارة التي لخّصت روح الأمسية وأعلنت انطلاق موسم ثقافي جديد يتبنى الفكر العلمي الجاد ويربط البحث الأكاديمي بقضايا الوعي المجتمعي.

كُرّم خلال الفاعلية العالمان الكبيران الأستاذ الدكتور فاروق إسماعيل رئيس المجمع العلمي، والأستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن الشرنوبي الأمين العام للمجمع، الدكتور طارق عبد الوهاب بتسليمه درع المجمع العلمي المصري تقديرًا لمشاركته العلمية المتميزة وإسهامه في إثراء النقاش حول العلاقة بين الإعلام والعلوم الإنسانية.