التضامن العربي.. ومخاوف أحباش أثيوبيا

السبت 26 يونيو, 2021

الإرادة العربية ربما تضعف أحيانا وتتأخر في التعاطي والمعالجة الفعالة للأزمات، وحسم بعض القضايا المصيرية ،وربما تمرض قليلا وتصيبها بعض العلل لكنها لا تموت، ولن تموت أبدا. وستظل مصر بثقلها السياسي والتاريخي ودعم الأشقاء العربي رمانة الميزان ، لإحتواء تصاعد حدة المشكلات، والأزمات القديمة والمستجدة بمنطقة الشرق الأوسط والقارة السمراء وتجنب آثارها السلبية وتداعياتها المدمرة. ومن أهم المردودات الإيجابية، لأحداث القدس وغزة الأخيرة ، وتعثر مفاوضات سد النهضة، أنها وحدت الأمة العربيةمن جديد وحركت الماء الراكد، والدماء الأصيلة في شرايينها، وأعادت فكرة التضامن العربي ، وضرورة ترتيب البيت الكبير، و العمل الجاد لتصحيح بعض المواقف والتوجهات وفقا لطبيعة المتغيرات الإقليمية والأممية المتزايدة. كما أضاف عودة العلاقات الإستراتيجية بين القوي العربية الفاعلة في الشرق الأوسط ، ومع بعض القوي الإقليمية بعدا جديدا ، يدعم الساعد العربي في التفاوض وحسم القضايا العالقة، بعد انقضاء فترات الجمود والجفوة. وفي هذا السياق جاء اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير بالدوحة ،ليبعث برسائل عديدة لمن يهمه الأمر ، وفي كافة الإتجاهات وعلي رأسها أثيوبيا، التي أصيبت بالصدمة والحيرة، خاصة بعد إعلان الوزراء العرب التضامن والمساندة بكافة السبل والوسائل ،وأن أمن مصر والسودان هو جزء لا يتجزأ من الأمن المائي العربي. وبدأت أديس أبابا في إعادة حساباتها من جديد، وأعربت عن رفضها للوساطة الدولية ،وبحث القضية أمام مجلس الأمن ، وطالبت بضرورة عودة المفاوضات تحت رعاية الإتحاد الإفريقي!. وقد تضاعفت مخاوف أحباش أثيوبيا من عودة العلاقات العربية لطبيعتها ، خشية أن تتأثر استثماراتها ومصالحها مع العربية ، لو اتخذ العرب قرارا بتقليص حجم التجارة والمساعدات والمشروعات المستقبلية مع أديس أبابا ،وربما لوحوا بالمقاطعة الإقتصادية لإجبارها علي تغيير مواقفها المتعسفة. كما تصاعد ت مخاوفها من التأييد العربي الذي انتقل من الجامعة العربية لأروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. وعلي المستوي الإفريقي تخشي أديس أبابا أن تغير بعض الدول مواقفها بعد هذا الحشد العربي، وخاصة مع استمرار تأزم الأوضاع الإنسانية وتجدد أعمال الاشتباكات في إقليمي تيجراي وأمهرة ومناطق أخري بأثيوبيا، وتعرض نظام آبي أحمد للانتقاد الحاد ، ووقف أمريكا مساعداتها، كعقوبة للعبث بملف حقوق الإنسان. كما أن إلتزام مصر والسودان بخيار التفاوض والحل السلمي ، مع رفض أثيوبيا لكافة الحلول والسيناريوهات، كشف صراحة عن نوايا أديس أبابا الخبيثة وتحديها لإرادة المجتمع الدولي ، وإصرارها علي مخالفة كافة المواثيق التاريخية والأعراف الدولية المنظمة لتقسيم المياه ومجاري الأنهار الدولية. وبدت أمام العالم بمظهر الدولة المارقة التي لا تحترم كلمتها وتعهداتها وحقوق جيرانها وتواصل التنصل من الاتفاقات الدولية بين دول حوض النيل وبين الدول الثلاث ،وآخرها إعلان المباديء عام ٢١٠٥م. كما تتعاظم مخاوف وتوجسات لأثيوبيا بعد تنامي دور مصر الإستراتيجي بالقرن الأفريقي وتدشين قاعدة لوجستيه بجيبوتي وإمكانية تهديد مصالحها، حيث خطوط وقنوات التواصل الدولة الحبيسة بجيرانها علي البحر الأحمر، هذا علاوة تخوفها من حرص القاهرة علي تطوير وتدعيم العلاقات والشراكات مع حوض وادي النيل وكافة دول الإتحاد الأفريقي، ودعم التعاون الإقتصادي والعسكري والإستخباراتي مع دول بورندي ، كينيا، اوغندا، تنزانيا والكونغو، وغيرها. وفيما يتعلق بحسم قضية سد النهضة ومع توقف المفاوضات وتصاعد الصلف والتعنت والتهديد الأثيوبي، أتصور أن الدولة العربية وخاصة الخليجية يمتلكون مفاتيح الحل وكلمة السر في إنهاء هذه الأزمة المستعصية لاعتبارات وسياسية واقتصادية وإستمارية عديدة. وغني عن القول ،أن حياد الأشقاء في أوقات الجد، وعن احتدام الخطر، نقيصة وجريمة لا تغتفر،وقد بدد التقارب العربي والتحركات الأخيرة المخاوف لدي مواطني مصر والسودان وكافة أنحاء الشارع العربي من مغبة أن تتسبب قضية السد ،وما سيتبعه من سدود ومشروعات المائية، من كوارث ومآسي علاوة علي شق الصف العربي ، نتيجة العجز عن اتخاذ موقف داعمة وقوية للموقف المصري والسوداني ومناصرة حقهما التاريخي المشروع في مياه نهر النيل والذي يعني لهما، الحياة أو الموت. واعتقد أن هذه القضية وتداعياتها كانت اختبارا عمليا جديدا للتوحد والكبرياء والتكامل بين ما تبقي من مقدرات وكيانات عربية ، وأسهمت بصورة مباشرة في تنشيط الذاكرة والإرادة العربية الموحدة لتجاوز هذه المرحلة الصعبة وكافة المحن والنكبات ! كل الشواهد تؤكد أن دول الخليج بما تملكه من مصالح وشراكات مع دول القارة السمراء ،تستطيع أن تعيد الأمور إلي نصابها وإقناع أديس أبابا بتطويل أمد ملء خزان السد ،كخطوة اولي لإبداء حسن النواياواحترام القانون الدولي، وعدم الإضرار بدول الجوار. كما تمتلك أوراقا عديدة للضغط وتحريك المواقف المتحفظه لدي عدد كبير من دول الإتحاد الإفريقي، وتفعيل دوره لإنهاء هذا النزاع، والحشد دوليا وإقليميا لمنع المكر الأثيوبي من السيطرة علي منابع المياه الطبيعية والسماح لأطراف خبيثة من المزايدة وتوظيف هذه الأزمة لخدمة طموحاتها إستراتيجيا وسياسيا واقتصاديا. وكلنا يعلم أن لدول الخليج مصالح قديمة ومستجدة واستراتيجية مع أثيوبيا، حيث تزرع عشرات الألاف من الأفدنة بالمحاصيل الغذائية ومزراع الماشية لتوفير احتياجتها من الغذاء واللحوم، بأسعار متوازنة نظرا لقرب المسافة مع أرض الأحباش، وهي علاقات تاريخية يعلمها الجميع. هذا علاوة علي تطلعاتها المستقبلية للربط الكهربائي والحصول علي الطاقة النظيفة بأسعار معقولة لخدمة مشروعاتها التنموية ، ومن ثم لا يعجب البعض من تقديمها لقروض وودائع واستثمارات ومساعدات لأديس أبابا ، فمصر لا تنكر حق أثيوبيا والعرب في التنمية والشراكات، لكن شرط عدم الإضرار بمصالحها، وأمنها وحقها التاريخي. وأتصور أن الوقت قد حان كي يعيد العرب كافة الحسابات سياسيا واستراتيجيا مع القراءة المتأنية لمشهد وخريطة المصالح والتحالفات، وهم كفلاء بحل كافة المشكلات وحسم الأزمات وتجاوز كل الصعاب!